قرض البراوى:
"ومن أراد أن يقترض منك فلا ترده".
كان
المرحوم مكارى سليمان يمر بضائقة مالية أثناء بنائه لمنزله الموجود حاليا
ببراوة فنصحوه أن يقترض من عمه القمص إبراهيم البراوى لأنه معروف عنه أنه
رجل غنى فطلب منه مبلغا من المال على سبيل القرض فلم يرده وأعطاه ما أراد
، وبهذا المبلغ أكمل بناء المنزل كله ولقد شهدوا أن هذا المبلغ كان به
بركة غير عادية فأكملوا بناء البيت بدون عناء.
إلا
أن الخواجة مكارى لم يرد المبلغ وقال أن عمى رجل راهب وغير محتاج للمال
بالإضافة الى أنه رجل فقير وينبغى أن يساعد أهله الفقراء (لم يكن الخواجة
مكارى فقيرا) إلا أن أبونا إبراهيم لما علم بذلك غضب جدا ووبخهم قائلا
:"إن هذا المال ملك لربنا ولديرى وأنا كما قلتم راهب مات عن العالم". وصمم
أن يسترد المبلغ وفوقه حق ربنا.
البراوى والوحدة:
لقد
ذكر عنه أنه فى أواخر أيامه أخذ غرفة فى حارة السقايين ليتوحد فيها وكان
يخدم نفسه بنفسه طوال حياته ولم يقبل أن يخدمه أحد أو يذهب ليأكل عند أحد
إلا نادرا وكان ينزل الى ديره ليقضى فيه الخلوات الروحية ثم يعود الى دير
الراهبات وخدماته الأخرى.
البراوى لما يقول:
ومن
المواقف التى حدثت بين البراوى وبين البابا يؤانس التاسع عشر هذا الموقف ،
لقد كان أبونا إبراهيم البراوى يخدم مذبح الأمير تادرس الشطبى بحارة الروم
وهو دير للراهبات بمصر القديمة ، وله أيضا خدمة روحية كبيرة وإرشاد
بالإضافة الى أنه كان يذهب الى الكنائس الفقيرة ليصلى بها ويترك فى
هياكلها مبالغ مالية كبيرة دون أن يعرف أحد ، وكان أيضا يعيش فى غرفة
كمتوحد فى حارة السقايين ، هذه المقدمة نوردها للآتى:-
لقد
أصدر البابا أمرا برجوع الرهبان الى أديرتهم وكان وقتها أبونا إبراهيم فى
خلوة روحية بالدير ولما حان موعد رجوعه الى خدمته فوجىء بأن أمين الدير
يمنعه ، حاول أن يفهمه أن له خدمة لابد أن يعود اليها وأن البابا على علم
بخدمته إذ أنها ليست بعيدة عن مقره بالقاهرة إلا أن أمين الدير أصر على أن
يمنع الشيخ القديس المعروفة معجزاته وقداسته للجميع ، بل قال له مستفزا لو
نزلت البابا هيشلحك (شلح: كلمة سيريانية معناها خلع أى سيخلع رتبته
الكهنوتية) لا يمكن أن تنزل بدون تصريح ، فقال له يا ولدى "البراوى لما
يقول ها ينزل يبقى هينزل" (وصارت هذه كلمة مأثورة أو مثل فى أديرة وادى
النطرون الى يومنا هذا) فقال له أمين الدير :"البابا والمطارنة متشددين
جدا فى هذا الأمر "لو نزلت بدون تصريح هيشلحوك".
هنا
غضب البراوى وقال له : يا ولدى المطارنة لم يخلقونى والبابا لم يصلب من
أجلى على عود الصليب ، ثم أمسك ورقة وقلم وكتب رسالة للبابا سلمها لأمين
الدير مضمونها :"لئلا يقال أن البراوى ليس فى البرية ، بتصريح أو بدون
تصريح أنا نازل ، لأن البراوى لما يقول ها ينزل يبقى ها ينزل". أرسل أمين
الدير الرسالة الى البابا وقال له أيضا باقى الكلام مما اثار بعض المطارنة
وصمموا على أن البابا يشلح أبونا إبراهيم البراوى فقال لهم البابا الذى
يعلم مدى قداسة أبونا إبراهيم إن هذه ما هى إلا حرب من حروب الشياطين ضد
رجل بار مثل هذا :"إن البراوى على حق هل أنتم خلقتموه؟ فقالوا لا، فقال
لهم أنا صلبت من أجله؟ فقالوا لا ، فقال لهم فكيف أشلحه إذا وهو لم يخطىء
بالإضافة الى معرفتى بمدى خدمته وقداسته وأحتاجه الى جوارى دائما إذ أنى
لم أقصد أبونا إبراهيم بهذا القرار".
إلا
أن البراوى ذهب الى البابا حزينا غاضبا فقابله البابا على سلم الكاتدرائية
فرحا مبتسما فقال له:"تعال يا أبونا إبراهيم يا مبروك علشان تصلى لى".
فقال له البراوى:"ما أنت كنت عاوز تشلحنى" فقال له البابا :"هو أنا أستغنى
عنك يا أبونا". ثم جذب يد أبونا إبراهيم ووضعها على رأسه عنوة وصمم على أن
يصلى له". وبعد الصلاة أعطاه ثلاثة جنيهات ذهبية فكيف يشلح إبن أبو مقار
على سن ورمح.
الثوب الحمصانى:
كان
البابا يؤانس التاسع عشر يمتلك ثوبا غالى الثمن يسمى بالثوب الحمصانى
(مطرز ومذهب وبه أكثر من فتحة جانبية) وكان لا يرتديه إلا عندما يجلس على
كرسى مارمرقس الرسول ومن شدة إعجابه بقداسة أبونا إبراهيم أهداه هذا الثوب
(كان ذلك فى أواخر أيام أبونا إبراهيم غالبا عام 1936م)، ولكن يبدو أن
هناك أشياء صنعها البابا – خاصة فى دير البراموس الذى كان يدعى دير
البراموس البهى أو دير البابا كيرلس الخامس – ولم تعجب أبونا إبراهيم وساء
فى عينيه أن يحدث مثل هذا فى دير صديقه المتنيح البابا كيرلس الخامس.
(يمكنك أن تقرأ فى كتاب "سيرة المتنيح البابا كيرلس السادس" عن بعض من هذه
الأشياء مثل طرد الرهبان السبعة من دير البراموس).
وفى
إحدى زيارات البابا لدير أبو مقار وكان أبونا إبراهيم البراوى هناك وقام
أبونا إبراهيم البراوى بإرتداء الثوب الحمصانى غالى الثمن ودخل المطبخ
وجلس وبدأ يعمل (كان البراوى ماهرا فى أعمال الطهى وخاصة طواجن السمك)
وهنا دخل عليه البابا فى المطبخ – لعل البابا كان يراقب تحركات البراوى
ليفهم المغزى الروحى الذى أراد البراوى أن يعلمه إياه فوجده جالسا على
كرسى المطبخ ويعمل غير مكترث بقيمة الثوب الذى يرتديه. فقال له البابا
:"يا أبونا إبراهيم" الثوب الذى كنت أرتديه وأنا جالس على عرش مارمرقس
ترتديه أنت وأنت جالس على كرسى مطبخ أبو مقار". فنظر اليه البراوى وقال:"
صدقنى يا سيدنا إن كرسى مطبخ أبو مقار عندى أفضل من كرسى البطريركية. فقال
له البابا: عندك حق يا أبونا إبراهيم!!!
ذكر هذا الموقف نيافة الأنبا ميخائيل مطران أسيوط والقمص زوسيما السريانى والمهندس كرومر (مكارى) وزوجته السيدة قمر ديمترى.
البراوى فى القدس:
روى
المهندس إبراهيم جاد الله نقلا عن والدته المرحومة دميانة مكارى الذى
يعتبر البراوى جدها ، أن القمص إبراهيم البراوى إشتاق الى زيارة الأماكن
المقدسة التى عاش فيها السيد المسيح له المجد بالجسد وفى عودته أحضر هدايا
لأحبائه ومن ضمنهم المرحومة دميانه أحضر لها ثلاثة صلبان خشبية مختلفة
الأحجام مازالوا موجودين حتى يومنا هذا.
الذهاب الى براوة:
"تعهدات فمى باركها يا رب" (مز 119: 108).
لقد
وعد القمص إبراهيم أخوه سليمان أنه بعد رهبنته سوف يزوره سنويا ليطمئن
عليه. وبالفعل كان يزور براوة سنويا فى أيام الخماسين المقدسة ومعه بعض
الرهبان وكان المقدس سليمان يذبح لهم خروفا كبيرا فور وصولهم. ولم يكن
الاحتفال والاحتفاء بهم يقتصر على المقدس سليمان بل نقل أيضا الى أهالى
القرية غير المسيحيين حيث أنهم كانوا يفرحون بقدومه ويذهبون اليه ليروه ،
بل أن أكابر البلد منهم كانوا يستضيفونه وضيوفه عندهم ، حتى الشباب الصغير
كان دائما يقابله ويسأله هل تعرفنى يا أبونا؟ فكان يقول لهم لقد خرجت من
البلد وأنتم صغار أخبرونى أبناء من أنتم وأنا أعرفكم ، وكان عند المقدس
سليمان خادم غير مسيحى يدعى عبد الله – أبو جلال – وكان يقول كنت أقوم على
خدمتهم وأقوم بصب المياه على أيديهم أثناء غسلها وكانوا كلهم لابسين عمم
سوداء.
لكن
فى نهاية أيام أبونا إبراهيم كان يحضر بمفرده ربما لكبر سنه وربما لأن
الكثير ممن كانوا يحضرون معه قد تنيحوا ، إلا أنه ظل محافظا على وعده حتى
بعد نياحة أخيه ، حتى أخر زيارة التى ودعهم فيها ,وأخبرهم أنه ذاهب ليتنيح
فى ديره.
صلاة دائمة:
لقد
كان لأبينا إبراهيم البراوى طلبة دائمة فكان دائما يقول "يارب ساعة ترضى
صلاحك وجر". والتى معناها يارب خذنى فى ساعة ترضى صلاحك.
وهذا
كان يؤكد أنه يحيا حياة إستعداد دائم بل وإتضاع أيضا فلم يكن يرى فى نفسه
الصلاح بل كان دائم البحث عن تلك الساعة الصالحة التى يتمنى أن يأخذه فيها
الله.
هذه هى الساعة التى ترضى صلاح الله يا أبونا إبراهيم قد أخذك فيها حسب طلبك وشهوة قلبك ، بل أن فضائله أيضا أنه كان:-
يعلم الصلاة لأحبائه:
إن
من أبرز الأمثلة هو التحول العجيب فى حياة أخيه المقدس سليمان وكيف كرس كل
حياته للصلاة والتسبحة ودراسة الكتاب المقدس ولقد ذكرت لى المرحومة ليزا
قسطنطين زوجة إبن أخيه (ميخائيل سليمان) أنه كتب لها ورقة بها مجموعة من
الصلوات لكى تحفظها وتكون سبب بركة لها ، وذكر المهندس إبراهيم جاد الله
نقلا عن والدته المرحومة دميانه مكارى أن أبونا إبراهيم البراوى كان
يعلمها الصلاة ويحفظها المزامير التى لم تمحى من ذاكرتها وذلك أثناء
زيارته لقرية براوة مثل مزمور :"إقض لى يا الله" ومزمور "يارب لماذا كثر
الذى يحزنونى" وغيرها وتضيف أيضا أنه أوصاها كثيرا بضرورة ممارسة سر
الاعتراف وكان يقول لها "أنه ليس عبد بلا خطية ولا سيد بلا غفران".
الصوم:
لقد
قال مخلصنا الصالح "هذا الجنس لا يخرج إلا بالصوم والصلاة". بالصوم ترتقى
عن الماديات الى الروحيات وبالتالى تستطيع بالصلاة أن تستعين بقوة الله
الروحية للانتصار على العدو والجسد وكل شىء.
إن
هذا الرجل البار لم يكشف لنا شيئا عن قوانينه فى الصوم ولكن إستنتجنا هذا
من سيرته ، فلا يمكن أن يصل الى هذه الدرجات الروحية العالية دون أن يكون
مرتبطا إرتباطا وثيقا بالصوم ، فقد ذكر من رآه بالجسد أنه كان نحيفا جدا
وهذا يعنى أنه لم يكن مفرطا فى الطعام بل كان على العكس مفرطا فى الصوم ،
ولقد ذكرت المقدسة ليزا قسطنطين أنها لم تعهده يتناول شيئا عند أحد من
طعام أو شراب طوال معرفتها به إلا نادرا (ربما لأنه لم يشأ أن يكسر قوانين
صومه) ولقد طلب من أحد أحبائه أن يصوم ثلاثة أيام متواصلة صوم يونان لكى
يباركه الرب وصامها هو أيضا متواصلة فلا يمكن أن يعطى قانون ولا ينفذه هو
أولا بل أنه لا يمكن أن يطلب طلب مثل هذا إن لم يكن هو نفسه متعودا على
مثل هذه الأصوام. بل ذكر أيضا عنه أنه كان يصوم من خميس العهد الى عيد
القيامة سنويا وربما كان يصوم أسبوع الآلام كله كما كان يفعل القمص بولس
العابد المقارى وكذلك أبونا عبد المسيح المقارى (المناهرى)
تابع